Photo Credit: Catherine Ward
وحدي بين ما يزيد عن 10 آلاف كتاب تتوزع بين الكتب والدوريات والمراجع وغيرها، تلك الكتب التي لم يلمسها أحد ربما من سنين، بعضها اكتسب اللون الأصفر معلناً شيخوخته، والبعض الآخر يخطو سريعاً نحو شيخوخته.
كان ذلك منذ ما يقارب الأسبوع، في أحد طوابق جمعية العاديات حيث تقع المكتبة، دخلت للمرة الأولى كمسؤولة عنها خلال يوم واحد في الأسبوع. كان البلاط مغطى بطبقة سوداء وعنيدة من الطلاء، والغبار يأكل المكان بل يلتهمه حتى أنه لم يترك لي مكاناً واحداً للجلوس. مساحة المكان واسعة للغاية فهي عبارة عن طابق بأكمله كما ذكرت.
يتوسط المكان ساحة أو بهو كبير وواسع تتوزع حوله مجموعة كبيرة من الأبواب، بعض الأبواب تفضي إلى غرف وبعضها الآخر إلى شرفات. جميع الأبواب والنوافذ الزجاجية فقدت زجاجها لتستعيض عنه بنايلون أو ربما قد بقي مكانه فارغاً وبالتالي وجد الهواء له مرتعاً ليلهو به.
لا أعلم كم من الوقت أمضيت وأنا أتجول بين الغرف متأملة جميع الكتب. الهدوء يعم المكان ولا يوجد سوى أصوات السيارات التي تجرّأت على التسلل للداخل أيضاً لعدم وجود ما يمنعها.
في البهو كانت الجدران مغطاة بالخرائط، خرائط تحكي تاريخاً بالألوان، خرائط عن امبراطوريات زالت ولم تزل آثارها موجودة حتى اليوم.. آراميون، حثيون، آشوريون، عبرانيون، كلدانيون وغيرهم..
وسط ذلك الهدوء وقفت أتأمل كل شيء وأنا أشعر بالفرح يكاد يقتلني، ليس لسبب عظيم بل لأنني فقط أقبع وحدي مع آلاف الكتب! لا أعلم كيف لعاشق للكتب أن يوصل إحساسه بها لكن لا يهم! العديد من الكتب المنسية، كنت أشعر بها جميعها وكأنها تتكلم..
وقفت أتأمل العديد من الأسماء التي لم أسمع بها يوماً أو حتى التي سمعت بها، أتساءل يا ترى هل خطر على بال أحدهم أن الأمر سينتهي به هكذا، أن تتحول كافة أفكارهم وانفعالاتهم إلى مجموعة أوراق مهملة على أحد الرفوف.
ما إن استدرت خارجة من إحدى الغرف حتى تناهى إلى سمعي مجموعة من الأصوات، ابن عربي، الجاحظ، الخطيب التبريزي، ابن حيان القرطبي، المعري، الجندي، مِل، ستيورانت، المعري… كانت تلك أصواتهم، كانت أشبه بهمس مكتوم. ولسبب ما دخلت في نوبة بكاء لأكثر من 10 دقائق. شعرت وكأني لست إلا جزء ضئيل من مجموعة من العوالم التي توالت عبر التاريخ، تلك العوالم التي من الممكن أن تتحول إلى لا شيء إن بقيت هناك على الرفوف فقط.
أنهيت نوبة بكائي مع غروب الشمس تقريباً، وقد اضطررت لمغادرة المكان لعدم وجود إضاءة كافية. عزمت على العودة في الأسبوع القادم، حيث بت أقوم بزيارتها كل أسبوع لأسلي وحدتها وأستمع بصمت إلى ضجيجها المخفي بين دفتي كل كتاب.